الفاجومي.. شاعر ميدان التحرير وسفير الفقراء

لفاجومي.. شاعر ميدان التحرير وسفير الفقراء الذي انتصر على الخوف والسجن
كتب: محمد العسيري

اعترف أحمد فؤاد نجم المعروف بالفاجومى بالسرقة 3 مرات فى حياته.. لكنه لم يتحول لابن عروس.. وسجن فى عهد عبد الناصر الذي رفض خروجه من المعتقل «طول ما هوه عايش».. لكنه عاد وكتب أجمل قصائده فى رثائه.. ولم ينج من سجون السادات سوى أيام قليلة طوال مدة حكمه.. لكنه ظل يغنى طوال عصر السادات.. أما مبارك فلم يتعرض له على الإطلاق.. بل تحول فى عصره إلى ممثل سنيد لأحمد الفيشاوى.. ومذيع فى قناة دريم.. وصحفى فى الدستور والوفد.. لكنه لم يتوقف عن إعلان معارضته طيلة 30 سنة.. فيما توقف عن الغناء السياسى تقريباً.. كيف تنظر إلى كل هذه المفارقات فى حياة ومسيرة أحمد فؤاد نجم؟!

استمعت إلى أغنيات أحمد فؤاد نجم فى سنوات مبكرة من عمرى وأحببتها وأحببت أصحابها.. سواء كانت بصوت الشيخ إمام عيسى أو فاروق الشرنوبى أو إيمان البحر درويش الذى أعاد غناء بعض أغنيات الشيخ إمام.. ومثله محمد منير الذى أعاد غناء بعضها بألحان جديدة لحسن أبو السعود مثلاً «بلح أبريم».. ورغم محبتى لتلك الأغنيات ودهشتى لها وتعلقى وشغتى بها ظلت علاقتى بالشاعر متوترة.. فلا هو بالنسبة لى فؤاد حداد.. ولا هو صلاح جاهين.. تلك العلاقة الملتبسة سببها أحمد فؤاد نجم نفسه.. فقد أدهشنى اعترافه بالسرقة.. اعترف مثلاً بأنه كان يسرق الفواكه من حدائق الأغنياء فى قريته عزبة أبو نجم.. وخص أحدهم وهو الخواجة كارنو بحكاية طويلة فى مذكراته.. واعترف كذلك بأنه سرق القماش المدعوم أيام كان موظفاً فى السكة الحديد وبسبب هذه الواقع تعرض للسجن لأول مرة فى حياته لمدة 3 سنوات.

واعترف كذلك – وهذا هو الأهم عندى – بسرقة قصائد فؤاد حداد وتضمينها ديوانه الأول «صور من الحياة والسجن» والذى حصل به على جائزة رسمية من الدولة!! نجم يقول فى مذكراته إنه تعرف فى السجن على الثلاثى عبد الحكيم قاسم الروائي المدهش صاحب «أيام الإنسان السبعة».. والناقد سامى خشبة.. والكاتب حسين شعلان.. وإنهم علموه كثيراً مما كان يخفى عليه من حقائق الواقع السياسى.. ومما علموه أيضاً شعر فؤاد حداد الذى كانوا يحفظونه.. ويبرر نجم سرقته لإمام الشعراء بأنه تصور أنه يسهم فى نشرها.. ويحكى نجم نفسه أن صلاح جاهين حينما التقاه لأول مرة قال له «مش انت اللى سارق فؤاد وحداد؟!».. وأضاف «ما تعملش كده تانى».. ويبدو أنه سمع بقيمة صلاح جاهين. وطريقة اعتراف نجم بسرقاته تجعلك تحبه.. مثلما تحب ابن عروس قاطع الطريق الحرامى الذى تحول إلى روبن هود بالنسبة لأمثالنا ونحن شباب فى الصعيد.. أحببنا ابن عروس وأشعاره - التى لم يسرقها – وقبلنا توبته عن سرقاته وهو قاطع طريق.. وأعجبتنا شجاعته وحروبه وعشقه للفتاة التي حولته مجذوباً.. وتخيلناه دوماً في صورة نور الشريف الذي قام بدوره في مسلسل حكي سيرته «مارد الجبل».. وربما بسبب نور الشريف الطويل العريض الوسيم لم أتخيل أحمد فؤاد نجم أبداً في صورة «ابن عروس» الذي هو «مارد وفارد في الجبل طوله.. لا حد داق عذابه ولا حد قال قوله».. وزاد من ارتباكي حيال نجم لقائي به.. فهو رجل ابن بلد.. شهم.

سليط اللسان ضد السلطة.. لكنه خجول جداً إذا مدحته.. حيرتني تلك الشخصية التي تركت سيرتها وسط الفقراء والمعدمين الذين دافع عنهم طيلة عمره.. وراح يرمى بتاريخه كله في حضن رجل أعمال شهير.. وهذه الواقعة كانت سبباً في حرب ضروس أشعلها الكاتب الكبير عادل حمودة دفعت نجم وقتها لإصدار كتاب «أنا بقى وعادل حمودة» حتى يرد عليه.. وانتهت المعركة وظلت صورة نجم مشوشة في ذهني.. من أي جانب تطل عليه إذن.. هل هو من استغل إمام عيسى – الشيخ الضرير – ليصنع مجده وشهرته.. ثم يبيعه ويمضى وحيداً؟.. أم أن الشيخ هو الذي أصبح ملء العيون والأبصار بقصائد نجم؟.. هل هو المناضل حتماً الذي احتوته الزنازين ما يزيد على نصف عمري.. أم أنه مجرد رجل يعيش اليوم بيومه؟!.. ولماذا غفرنا له سرقاته فيما لم يقبل ثوار التحرير أن يغفروا لهشام الجخ رغم اعترافه بأنه لم يكن يعرف أن تلك الرباعيات المتهم بسرقتها تخص عبد الستار سليم.. وأنه كان يعتقد أنها مجرد فولكلور؟!.. لا أدين نجم ولا أبرئ هشام.. لكنى فقط أحاول أن أفسر سر تلك الظاهرة المسماة بأحمد فؤاد نجم.. وأشد ما يشغلني فيها علاقته بنظام مبارك الذي لم يسجنه إطلاقاً مثل سابقيه.. ورغم ذلك لم يتوقف نجم عن معارضته بل دفعته تلك المعارضة إلى الانضمام تحت لواء حركات معارضة مثل كفاية.. ومن بعدها حزب الوفد قبل أن يستقيل منه.. مثلما شغلتني جداً مسألة توقف نجم طيلة عصر مبارك عن كتابه الأغنية السياسية.. وإن لم يتوقف عن كتابة القضية من حين إلى آخر.. وبالتأكيد من أشهر ما كتب في ذلك الزمن قصيدة عن توريث جمال مبارك «العريس»!

حينما سألت المذيعة العربية في قناة روتانا نجم لماذا سكت عن الغناء والمعارضة طيلة 18 سنة من عصر مبارك قال «ما اتكلمتش لأني كنت بأمل فيه خير».. وأضاف: «هوه قال إنه جاى يشيل الفساد.. وأنا باطلب منه يبقى راجل قد كلمته».. ثم أضاف معقباً على عدم تعرض النظام له وسجنه كما فعل عبد الناصر والسادات «مين قال إني حر طليق؟.. البلد كلها بقت سجن»!!
ربما من هذه يمكن فهم لماذا سكت النظام عن نجم وغيره.. لكن لماذا توقفت أغنيات نجم السياسية رغم هذه الحرية المتاحة؟!.. هل ينضب معين الشاعر إذا ظل حراً؟!.. لقد اضطر نجم إلى تغيير بعض الكلمات في أغنية «أهيم شوقاً».. وبالتحديد من «يا عزة يا اللي الهوا رماكى».. إلى «يا سمرا يا اللي الهوان رماكى» حتى تصبح أغنية سياسية يغنيها محمد الحلو من ألحان صلاح الشرنوبى.. فهل كان غياب إمام عيسى سبباً إضافياً لخفوت ظاهرة نجم في الغناء السياسي وتوقفها عند حدود بعض تترات المسلسلات «أبو العلا 90- زيزينا» مثلاً.. وبعض المسرحيات «الملك هو الملك»؟!
الكاتب المصري المقيم في لندن أمين العمري يقول في كتابه «الشيخ إمام في عصر الثورة والنظام».. إن الدولة في عهد الرئيس حسنى مبارك بدأت سياسة الاحتواء والتطويع والإغراء والتقليص بشتى الطرق!!

ويضيف: «ولمّا كانت ظاهرة نجم - إمام قد ولدت داخل بوتقة المعارض الشرس لنظام السادات سرعان ما تم تصدير الظاهرة إلى الخارج».. وعاد نجم إلى مصر في منتصف الثمانينيات ليتم الاعتراف الرسمي به وطبع دواوينه ومذكراته وتتم استضافته في البرامج.. ولم يقترب النظام منه عندما حولته قناة دريم إلى مذيع لبرنامج «حبايبنا» – رغم إعلان معارضته التوريث – مثلما فعلت مع هيكل بعد المحاضرة الشهيرة والتي نقلتها القناة من الجامعة الأمريكية..
ويحاول أمير العمري أن يرجع عدم تأثير نجم في فترة مبارك كما قبلها لعدم قدرة اليسار نفسه على التأثير.. إلا أنه يعود ويؤكد على ما خلفه نجم من أشعار وأغنيات ومواقف كبيرة باقية.. رغم انحسار ذلك الدور.. وإن لم يكن بنفس التأثير.. وإن كنت أرى أن نجم عاد بذلك التراث (مجموع ما كتبه من أغنيات أيام ناصر والسادات) ليصبح نجم شاعر الميدان في 25 يناير وبعدها حيث أعاد أحمد سعد غناء 10 أغنيات له من ألحان الشيخ إمام.. ورغم إعجابي بأن أحمد سعد لم يتصرف في ألحان الشيخ إمام فإنني أستغرب أن الفاجومى وافق على تغيير التاريخ في أغنية «تهل البشاير» من 23 يناير إلى 25 يناير.. فالحدث القديم باق في ذاكرة المصريين ولا يصح إلباس طاقية ذلك الحدث لما جرى في ميدان التحرير لمجرد أن نجم لم يكتب جديداً يعبر عن الحدث الجديد خاصة أنه يراه ثورة لم تحدث في تاريخ مصر من قبل.. ويبدو أن انشغال نجم بتقديم برنامج جديد في قناة مودرن لم يتح له فرصة أن يستعيد روح الشاعر بداخله ليكتب عما يجرى الآن بدلاً من استعادة أغنية قديمة له..
«كل ما تهل البشاير
من يناير كل عام
يدخل النور الزنازين
يطرد الخوف والضلام
يا نسيم السجن ميّل
ع التعب وارمي السلام
زهر النوار وعشش
ف الزنازين الحمام»
لكن يبقى سؤال: هل يحتاج نجم إلى أغنيات جديدة ليصبح أحد أهم شعراء الميدان؟!.. أعتقد لا.. فلديه من الرصيد ما لم ينفد تأثيره بعد.. خاصة تلك الأغنيات التي تستمد روحها من النسيج الشعبي المصري وفى مقدمتها «بقرة حاحا».. التي أعاد أحمد سعد اكتشافها ليقدمها في الفيلم الذي يحمل اسم «الفاجومى» وفى اسطوانة تضم نفس الأغنيات من بعدها.. حاحا.. بإيقاعها السريع.. وجرأتها.. وشعبيتها.. وجذورها الممدودة إلى ما يجرى من محاكمات شعبية وجنائية لعدد من رموز النظام السابق في قضايا تمس فكرة «نهب مال الفقراء».. كل ذلك يجعل من «حاحا» أغنية لموسم جديد وكأنها كُتبت هذا الصباح.. هل تذكرون الأغنية الأصلية..
«أوحة بقرة حاحا
أوحة النطاحة..
أوحة حلبت شخبين
أوحة والباقي فين
أوحة.. شربه الراعي
أوحة.. والراعي فين
أوحة حدا ابن عمه
أوحة دم ابن عمه
أوحة ما سيل دمه
أوحة.. يا دم الشوم
أوحة.. عدى الفيوم»..
الخ..

هكذا تأثرنا بالأغنية الشعبية التي استفاد منها نجم.. فما بالك بلحن الشيخ إمام الذي سبق وغناه إيمان البحر درويش.. ومن بعده خالد شمس.. وعدد كبير من الفرق الغنائية الجديدة التي اكتسبت بهذه الألحان جمهوراً جديداً من الشباب في حفلات ساقية الصاوي وغيرها.. فكان طبيعياً أن نجد «مصر يا امه يا بهية».. و«حاحا» من الأغنيات السائدة طيلة 18 يوماً في ميدان التحرير.. نجم إذن موجود رغم توقفه عن كتابة الأغنية السياسة لسنوات طويلة.. ليس بحاحا وحدها.. فهناك أغنيات أخرى من رصيده وبخاصة تلك التي تعرض للفجوة الهائلة بين الفقراء والأغنياء في مصر وتجد طريقها إلى الناس حتى رغم ارتباط نجم بهؤلاء الأغنياء من تجار المحمول وأصحاب القنوات الفضائية.. وفى مقدمة تلك الأغنيات «شيد قصورك».. التي يقول فيها:

شيد قصورك ع المزارع

من كدنا وعمل إيدينا

الخمارات جنب المصانع

والسجن مطرح الجنينة

واطلق كلابك

في الشوارع

واقفل زنازينك

علينا

وقلّ نومنا في المضاجع

أدي احنا

نمنا ما اشتهينا

واتقل علينا بالمواجع

احنا اتوجعنا

واكتفينا

وعرفنا

مين سبب جراحنا

وعرفنا روحنا

والتقينا

عمال وفلاحين

وطلبة

دقت ساعتنا

وابتدينا

نسلك طريق

مالهش راجع

والنصر قريب من عنينا

النصر أقرب

من إدينا
ويشير أمير العمري في كتابه السابق الإشارة إليه إلى ملاحظة مهمة.. وهى أن عدداً كبيراً من المواقع الإلكترونية المنتمية للتيارات الإسلامية تبنت هذه الأغنية.. ربما لمحاربتها «الخمر».. من ناحية.. وإطلاقها صرخة في وجه النظام الذي عارضته كثيراً من ناحية أخرى، هذا رغم عدم تبنيها – تلك الجماعات – لفكرة الغناء من الأصل ولكن للمصلحة المؤقتة – يمكنها قبول ذلك النوع من الأغنيات – ربما لأنها لا تحرض على الفاحشة رغم عدم قبول ذلك التيار بنجوم اليسار وأفكار اليساريين الذين ينتمي لهم إلا أن الانتهازية السياسية تسمح بقبول الكثير ومنه تلك الأغنيات التي عرفت طريقها لتلك المواقع التي أسهمت في نشرها في عز منعها رسمياً من ناحية وبعد رحيل النظام كنوع من التشفي فيه بالغناء من الناحية الأخرى.. وتبقى لنجم أغنيات أخرى كتبها أيضاً في أزمة سابقة إلا أن منعها يجعلها اليوم لقمة شهية لتجار الاسطوانات ومن بينها أغنية لمحمد منير صورها محمود بركة وكادت تعرف طريقها للشاشة لكن النظام أوقفها في اللحظة الأخيرة رغم أن تكلفتها تعدت نصف المليون جنيه.. أغنية نجم ومنير واحدة من درر الفاجومى في محبة الناس والبلد..
«ولو يحبسوني.. ولو يشنقوني
ولو فكروا بالعذاب يبعدوني
ح اقرب وأقرب.. مش ممكن أهرب
وتنزل دموعي على خدودي تشرب
تشرب تلاقى الرموش والخدود والمباسم
مراسم وصورتك عليهم يا مصر».

بوتيكات الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم

بوتيكات - الشيخ إمام و أحمد فؤاد نجم

وسيبقى أن نعترف مثلما اعترف هو في وقت سابق بكل ذنوبه وخطاياه.. يبقى أن نعترف بأننا لم نحبه بما يكفى.. ولم نحتف بأغنياته بما يليق بها.. مثلما لم نحتف به.. يبقى أن نتقبله كما هو.. بعيوبه وشطحاته.. وتحولاته.. بأغنياته وقصائده ومواقفه.. نجم كان وسيبقى ظاهرة أكبر من محاولة تفسيرها.

للمزيد الفاجومي.. شاعر ميدان التحرير وسفير الفقراء الذي انتصر على الخوف والسجن[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

هذا الشخص رمى كل الأساسيات من حياته وظن ان الناس سوف تتبعه

فهو منسلخ اخلاقيا و ظاهرة شاذة

الف شكر ليك يانجم مجهود مميز جدااا

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

يانجم والله انا لا اتبعه ولكن كلماته جامده جدا
شيد قصورك ع المزارع

من كدنا وعمل إيدينا

الخمارات جنب المصانع

والسجن مطرح الجنينة

واطلق كلابك

في الشوارع

واقفل زنازينك علينا

كلام قوي بجد انا لايعنيني اتجاهه الفكري
مادام كلاماته ليس بها مساس بالديــــــــن
شكرا ليكم جميعا علي مشاركتكم الودوده

» بالصور .... اعتصام الاسبان في ميدان بويرتا ديصول علي الطريقه المصريه بميدان التحرير ... رافعين لافتات التحرير
» هشام الجـــــــخ مشهد رأسي من ميدان التحرير‏
» خالد النبوي يدعو الفنانين لنزول ميدان التحرير
» شاعر النيل حافظ ابراهيم
» معاكم ان الجزيره اسرائيليه ..كلنا خالد اسرائيليه ..ميدان التحرير اسرائيليه