بسم الله الرحمن الرحيم
يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلا تَخْوِيفاً) (الإسراء:59)...
كسوف الشمس أو القمر آية ربانية عظيمة من آيات الله التي يخوف بها عباده والتي يغفل عنها الكثير من الناس. وهو في نفسه ليس عقوبة من الله ولكنه تنبيه وتحذير .
فإذا أراد سبحانه تخويف عباده كسفهما بأمره, فانطمس نورهما كله (بحدوث الكسوف أو الخسوف الكلي)، أو بعضه (كما في الكسوف أو الخسوف الجزئي), وكله يحدث بما قدره الله من أسباب تقتضي ذلك, فيقدر الله ذلك تخويفا للعباد ليتوبوا إليه ويستغفروه ويعبدوه ويعظموه ويرجعوا إليه.
ولما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في التاسع والعشرين من شوال من السنة العاشرة للهجرة خرج إلى المسجد مسرعا فزعا يجر رداءه، وصلى بهم صلاة الكسوف وخطب خطبة بليغة حفظ منها قوله عن الكسوف (إن الشمس والقمر لآيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده, لاينكسفان لموت أحد من الناس.. ) رواه البخاري ومسلم .
ونظرا لانشغال الناس بكسوف الشمس اليوم رأينا من تمام الفائدة أن نوضح بعضا من التساؤلات المهمة على وجه الاختصار فيما يتعلق بهذا الكسوف ومنها:
1- كيف يكون الكسوف تخويفا وهو أمر يعرف بالحساب ؟
2- ماذا نفعل عند رؤية الكسوف في الشمس أو القمر ؟
3- ما حكم صلاة الكسوف ؟
4- متى تؤدى صلاة الكسوف ؟
5- ما هي صفة صلاة الكسوف ؟
الأول : كيف يكون الكسوف تخويفا وهو أمر يعرف بالحساب ؟
لله تعالى في تقدير الكسوف حكمتان :
1- حكمة قدرية: يحصل الكسوف بوجودها. وهذه معروفة عند علماء الفلك والحساب, لم يبينها النبي صلى الله عليه وسلم. وشغل الناس الشاغل اليوم هو في الحديث عن هذه الحكمة وقلما يتعرضون للكلام عن الحكمة الثانية .
2- وحكمة شرعية: وهي تخويف العباد. وهذه الحكمة التي لايمكن لأحد أن يعلمها إلا عن طريق الوحي. وهو ما جاءنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله (يخوف الله به عباده).
فالذي قدر السبب الحسي حتى حصل الكسوف أو الخسوف هو الله تعالى لأجل أن يخاف الناس ويحذروا. كما ينبغي أن يعلم أن خسوف القمر أو كسوف الشمس ليس من علم الغيب لأن له أسبابا حسية معلومة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثانيا : ماذا نفعل عند رؤية الكسوف في الشمس أو القمر ؟
بين لنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري بقوله: (فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره), وفي رواية (فافزعوا إلى الصلاة), وفي رواية: (فاذكروا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا).
وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس كما أخرجه الإمام البخاري أيضا في صحيحه.
فمتى رأى المسلمون كسوف الشمس في أي ساعة من ساعات النهار, في أول النهار أو وسطه أو آخره ولو قبيل الغروب فليفزعوا إلى ما أمروا به من الدعاء والذكر والتكبير والاستغفار والصدقة والصلاة . ـ وكذلك عند خسوف القمر ليلا ـ وليس هناك دعاء خاص بل يدعو الإنسان بما تيسر له من المغفرة والرحمة والعفو.
ثالثا : ما حكم صلاة الكسوف ؟
تواتر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بها والحض عليها, وهي آكد صلاة التطوع. فهي أوكد من صلاة الاستسقاء والتراويح ..إلخ ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها, وخرج إليها فزعا, وصلى صلاة غريبة, وعرضت عليه في صلاته هذه الجنة والنار وخطب بعدها خطبة بليغة عظيمة, وشرع لها الجماعة فأمر مناديا أن ينادي (الصلاة جامعة) البخاري ومسلم. وهي على الأقل: واجبة على الكفاية. فلا يمكن للمسلمين أن يروا إنذار الله بكسوف الشمس والقمر ثم يَدَعوا الصلاة ويتركوها, مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها, وأمر بالصدقة والتكبير والعتق والفزع إلى الصلاة.
رابعا : متى تؤدى صلاة الكسوف ؟
إذا حَصَلَ الكسوف - كليا أو جزئيا - في أي وقت وفي أي ساعة من ليل أو نهار, فليفزع الناس للصلاة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستثن وقتا من الأوقات. ولأنها صلاة فزع ومدافعة بلاء, فَتُصَلَى في أي وقت حصل ذلك وليس عنها نهي, فتصلى بعد العصر وبعد الفجر وعند طلوع الشمس وكل وقت. والسنة أن تُصُلَّى جماعة في المساجد كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه الرجال والنساء, فإن صلاها الإنسان لوحده فلا بأس بذلك لكن الجماعة أفضل. وإذا انقضت الصلاة والكسوف باق فليشتغل بالدعاء والاستغفار والقراءة حتى ينجلي.
خامسا : ما هي صفة صلاة الكسوف ؟
ينادى لها (الصلاة جامعة) بدون تكبير, يكرره المُنَادِي بقدر ما ينتبه الناس له ويسمعونه. ثم يُصَلون كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم: ركعتين في كل ركعة ركوعان وقراءتان. يجهرون بهما. ومن فاته الركوع الأول من الركعة فقد فاتته الركعة فليقضها بركوعيها بعد سلام الإمام.
فالنبي صلى الله عليه وسلم صلاها بدون إقامة فكبر وقرأ الفاتحة ثم قرأ سورة طويلة نحو سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا جدا ثم رفع رأسه وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد, ثم قرأ قراءة طويلة دون الأولى ثم ركع ركوعا طويلا دون الركوع الأول, ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد, وقام قياما طويلا نحو ركوعه, ثم سجد سجودا طويلا نحو ركوعه, ثم جلس بين السجدتين جلوسا طويلا نحو سجوده, ثم سجد سجودا طويلا نحو سجوده الأول, ثم قام للركعة الثانية, فصلاها كما صلى الركعة الأولى, إلا أنها دونها في القراءة والركوع والسجود والقيام والقعود, ثم تشهد وسلَّم. ثم خطب للناس خطبة عظيمة.
رزقنا الله الاعتبار بآياته ونفعنا بها . آمين .
صلو على الحبيب