ألبير كامى هو كاتب فرنسى (1913-1960) ولد فى الجزائر ، و توفى فى اصطدام سيارة بفرنسا. درس فى جامعة مدينة الجزائر ، و قام بنشاط مسرحى فى بداية حياته العملية (1934-1938). ثم تحول ، من بعد ، إلى الصحافة فى باريس ، و شارك فى المقاومة الفرنسية فى أثناء الحرب العالمية الثانية ، لاسيما بإسهامه فى تحرير جريدة (القتال) التى تولى رئاسة تحريرها (1945) خلال ثلاث سنوات. انصرف بعدها إلى الانتاج الأدبى على أنواعه و بخاصة إلى النوع القصصى الفلسفى. و قد حاول كامى ، فى معظم آثاره ، التعبير عن فكرة آسرة ، مسيطرة على ذهنه ، و هى عبثية القدر الإنسانى الناجمة عن حياة المرء فى وسط عالم لامعقول ، يعجز فيه ذكاؤه عن أى تعديل فى مساره و حتمياته. و لقد أبى السير فى الخط الذى رسمه جان بول سارتر فى محصلاته الوجودية ، فسعى فى موقفه من خلقية الثورة ، و الرفض للوصول إلى مثل أعلى فكرى و إنسانى ضرورى ، فى مقابل عبثية العالم. و استعان فى المسرح أيضاً فى الإبانة عن آرائه ، و أصدر فى هذا الفن عدداً من التمثيليات التى لاقت نجاحاً لدى النخبة من المثقفين. و لئن تميز خلال جهاده السياسى ، و الأدبى ، و الفكرى ، بصفائه الذهنى ، و التزامه بالقضايا الانسانية العامة ، و قضايا الشعوب التائقة إلى الكرامة ، فإنه ، هنا أيضاً ، لم يتقيد بإيديولوجية مستعارة. بل صدر فى كل ذلك ، عن أعماق نفسه. من أقواله المعروفة : " لم أتعلم الحرية فى كتب كارل ماركس .... بل تعلمتها من البؤس ". و الواقع أن مولده فى أسرة فقيرة ، و نشأته فى بيئة مرهقة بالأعباء المادية ، أتاحتا للدارسين الاهتداء إلى الأصول التى انطلق منها ، غير أن موقفه من استقلال الجزائر لم يكن فى مستوى التزامه بتحرر الشعوب المستعمرة. من مؤلفاته : (الوجه و القفا) (1937) ، (أعراس) ا(1938) ، (الغريب) (1942) ، (أسطورة سيزيف) (1942) ، (سؤ التفاهم) (1944) ، (رسالة إلى صديق ألمانى) (1945) ، (الطاعون) (1947) ، (السقوط) (1956) ، (الصالحون) (1949) ، (المنفى و المملكة) (1957).
الطاعون هى رواية وضعها ألبير كامى سنة 1947. تتلخص أحداثها بأن ألوفاً من الجرذان قد خرجت من مخابئها فى وهران لتموت على قارعة الطرقات ، و فى المنازل ، نذيراً بالطاعون الذى تفشى فى المدينة. فنجمت فجأة حالة مضعضعة للسكان أدت إلى هرب بعضهم ، و انفصال آخرين عن أحبائهم ، و نزول الرعب فى القلوب ، و انكماش الناس و تقوقعهم. و تطور الوباء ، محطماً النفوس ، منتزعاً ما فيها من خير ، مشيعاً فيها اللامبالاة بالمعذبين. و تحول بعض السكان إلى الصلوات و إلى الله ، أو عمدوا إلى التعاويذ و إلى استكشاف المستقبل بالسحر و الشعبذة. و قلة ضئيلة منهم نظرت إلى الكارثة بهدؤ ، و نظمت أمرها لمجابهتها ، على رأسها تارو و الدكتور ريو. و قد تعرض هذان المناضلان للموت بلا تأثر ، و ثابرا على إسعاف المرضى ، و مكافحة الطاعون ، و لا دافع لهما فى هذه المعركة الرهيبة إلا إحساسهما بالإشفاق على ضحايا الداء أو القدر ، و بواجب التصدى للشر. و قد أدركا من التجربة أن محاربة الجراثيم أمر طبيعى و مألوف فى كل زمان و مكان ، و أن النزاهة ، و الصفاء ، و المثابرة على العمل فى الملمات العاصفة هى نتيجة إرادة عنيدة و مستمرة لا تتجلى إلا فى الكوارث ، و المواقف المصيرية. و انضم إليهما جماعة من المتطوعين فى المعالجة ، و إسعاف المحتضرين ، و دفن الأموات و تشجيع من تبقى من الأصحاء على احتمال الرعب المدمر للنفوس ، و تأمين ضرورات الحياة اليومية. و هكذا استمر الطاعون فى زحفه أياماً ، يحصد الكبار و الصغار ، الأقوياء و الضعفاء ، الصالحين و الأشرار ، الأصدقاء و الأعداء ، و المكافحة ناشطة فى مسيرتها المتزنة ، الواعية ، المجاهدة ، إلى أن بدأت الأزمة بالانحسار ، و الوباء بالتلاشى شيئاً فشيئاً. و لما استعادت المدينة هدوءها ، ثم شؤونها العادية ، ثم أفراحها و لامبالاتها ، و رجع الذين كافحوا بلا هوادة إلى رتابة الحياة ، شعر هؤلاء أن المآثر التى أقدموا عليها خلال العاصفة ما هى إلا نتيجة لما أرادوه لأنفسهم من عمل ، و مستوى ، بالتزامهم جانب الانسان المعذب ، الضائع. و لا ريب أن الكاتب قد اتخذ من هذه الأحداث و ويلاتها رمزاً لحالة الانسان فى واقعه ، مصوراً فى براعة مدهشة ، تصرف كل فرد أمام قضية مصيرية تحتم على كل فرد اتخاذ موقف يمثل ما فى إرادته من عزم ، أو خور ، و تصد ، أو هروب. فيرضى بعضهم بالهزيمة ، و يصمد بعضهم الآخر للدفاع عن كرامة الانسان متحدياً القدر الأعمى