(كارثة من العيار الثقيل) مبارك ونظامه اضعفوا قوة الجيش المصرى
مدحت عبد الله
منتدي بوابة المعلم -المصدر
يخطئ من يظن أن الدمار الذى أحدثه حسنى مبارك في مصر كان اقتصاديا فى الأساس ولم يطل القطاع العسكرى ، إننا ندعى هنا أن الدمار الذى لحق بمصر من جراء سيطرته على الحكم كان أساسا بالقطاع العسكرى ، تعود أسباب عدم وضوح ذلك الدمار إلى طبيعة العمل العسكرى الذى يتسم بالسرية بينما يدخل على الفور كل البيوت أى تأثير سلبى للاقتصاد .. علينا إذن أن نتابع أرقام الخبراء المستقلين العسكريين عن وضع مصر العسكرى المنهار ونقارنه بمثيله في سوريا وإسرائيل ..
سنناقش إذن هنا الموقف العسكرى لسوريا وإسرائيل ومصر ، كى نصل في نهاية المقال إلى الكارثة التى يحملها عنوان المقال ويعلمها جميع طيارى مصر وبعض ضباط مخابراتها وهم مراقبون جيدا وممنوعون من الحديث عنها ، تلك الكارثة التى تؤكد في مجملها على قيام حسنى مبارك بتقليم أظافر مصر العسكرية ونزع أى قوة مؤثرة لجيشها كثمن للغرب لبقائه في الحكم ..
كانت سوريا دولة صغيرة نسبيا مقارنة بمصر قبل وصول مبارك إلى السلطة ، فماذا حدث كى تتعدى مكانة مصر وتصبح الند العسكرى الأكثر تحديا أمام إسرائيل ، كما يشهد بذلك الخبراء العسكريون الإسرائيليون ..
لم تعد للدبابة أو المدفع قيمة كبيرة في حروب إسرائيل القادمة مع الجيوش النظامية العربية ، بل إنهما سيشكلان هدفين في منتهى اليسر أمام الطائرات الإسرائيلية التى تطير بدون طيار ، تلك الطائرة التى تتصدر إسرائيل بها دول العالم المتقدم في إنتاجها وتستطيع الاستمرار في الجو لمدة عشرين ساعة .. كلما ازدادت أعداد الدبابات والمدفعية العربية ، كلما ابتهجت إسرائيل ، لأن ذلك يعد استنزافا ماديا وبشريا ومعنويا على كاهل ميزانيات الدفاع العربية ، وهو ما يخدم في النهاية أهداف إسرائيل ..
لكن إسرائيل تحسب ألف حساب إذا حصل العرب على إمكانية متقدمة في تصنيع الصاروخ ، لما له من تهديد كبير على العمق الإسرائيلى ، من هنا أولت إسرائيل جل اهتمامها على نقطتين فى مراقبتها للجيوش العربية ، وهما الصاروخ أولا بنوعيْه – الجوى والأرضى – والطائرة ثانيا وإن كانت بصورة أقل نظرا لتفوق إسرائيل المطلق في إخراج الطيران العربى من أى منازلة عسكرية جوية ..
نحن نتحدث هنا عن النوعية التى تحتويها المؤسسات العسكرية في سوريا وإسرائيل ومصر ، المختصون لا ينظرون إلى الكم هنا أو هناك ، لكنهم يؤكدون أن إسرائيل في صدمة من قوة الموقف العسكرى السورى ، والذى وصل إلى إحداث حالة من ” توازن الرعب ” بينهما ..
كانت الإستراتيجية العسكرية العربية والتى وضع أسسها ” الجنرال الذهبى ” عبد المنعم رياض في أعقاب هزيمة 1967 تنص على ما يلى : ” لا نستطيع تكوين قوة جوية تنتصر على القوة الجوية الإسرائيلية ، لكن نستطيع أن نقوم بتحييد طيران إسرائيل بالصاروخ المضاد ” ..
( لمزيد من المعلومات ننبه إلى مقالة بعنوان ” حائط الصواريخ الذى كان هناك ، فى ذكراه الأربعين ” لكاتب المقال ) ..
أخذت سوريا تلك العبارة والتى كانت تقتصر على وجود صواريخ فعالة للدفاع الجوى في مواجهة طيران الإسرائيلي وعممتها على بقية الأسلحة التى تحتويها قواتها المسلحة في البر والبحر .. هى إذن إستراتيجية مختلطة تحمل في طياتها إمكانيات دفاعية لإخراج الطيران الإسرائيلى من المواجهة المستقبلية وأخرى هجومية تقوم على الردع في حالة نجاح إسرائيل بإحداث دمار ما في سوريا ..
يقول المحلل العسكرى لصحيفة ” يديعوت أحرونوت ” رون بن يشاى مايلى : “ بالرغم أن سلاح الجو الإسرائيلي في ذروة تفوقه ، فإنه قد يفقد هذه الميزة قريبا أمام سوريا التى تتسلح بمنظومات روسية متطورة ، لقد سدت روسيا الفجوة التكنولوجية بينها وبين الغرب في التسعينات في مجال الدفاع الجوى ، بل إنها سجلت تقدما على نظيرتها الأمريكية ، ما يقض مضاجع قادتنا العسكريين هى منظومة صواريخ الدفاع الجوى S 300 والتى بإمكانها صيد طائراتنا على مسافة 140 كم وعلى ارتفاعات تتراوح بين مئات الأمتار وثلاثين كم ” ..
كما يقول المحلل العسكرى لصحيفة ” معاريف ” عمير راببورت ما يلى : “ إنّ تغييرات جوهرية طرأت على بنية الجيش السوري في السنوات الأخيرة .. لقد تمكن بشار الأسد من الوصول إلى إحداث توازن استراتيجي مع إسرائيل .. القرار الهام الذى أقدم عليه الجيش السورى هو إعادة بناء جيشهم بصورة مغايرة تماما ولا تذكر فى أى جيش من جيوش العالم .. لقد وجهوا إمكاناتهم المالية إلى الإنفاق على ثلاثة أسلحة : الصواريخ المضادة للطائرات ، والصواريخ المضادة للدبابات ، والصواريخ البرية الموجهة للعمق .. إن هذه النقلة النوعية في الجيش السورى جعلته هو الجيش الوحيد في العالم الذى يتحرك من خلال إستراتيجية حرب العصابات ” ..
أما ما يسبب الهلع داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فهو صواريخ أرض أرض السورية ، وقد فجرت الموقف برمته صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” في عددها الصادر في 24 يناير 2009 ، حيث كشفت النقاب عما أسمته بـ ” مدينة الصواريخ السورية ” ..
تقول الصحيفة المذكورة ونقلا عن الخبراء العسكريين الإسرائيليين أن سوريا تمتلك صواريخ تطال كل مدن إسرائيل بمدى 700 كم ، وأنها من طراز ” سكود دى ” المطور وتمتاز بدقة تصويبها مما قلص نسبة الخطأ في منظومتها إلى عشرات الأمتار فقط ، وهى توجد في باطن جبال سوريا مما يستحيل على طيران إسرائيل الوصل إليها ومرتبطة بشبكة من الأنفاق مما يصعب متابعتها ، وأن تعديلات قد أدخلت على تلك الصواريخ جعلتها أكثر فتكا وأكثر صعوبة على الإسقاط ، وأن سوريا قد طورت رؤوسا متفجرة كيماوية لهذه الصواريخ بالإضافة إلى الرؤوس المتفجرة العادية ، وأضافت الصحيفة أن مدينة الصواريخ تلك هى عبارة عن مقرات يصل عددها إلى 30 مقرا منتشرا فى جبال سوريا ..
كما أكدت صحيفة ها آرتس في عددها الصادر في 7 يوليو 2010 أن المخابرات الإسرائيلية قد رصدت في فبراير عام 2010 قيام إيران بإقامة مصنع لصناعة صواريخ تسمى 600 M ، وأنها نسخة مطورة من صواريخ ” سكود دى ” يخلان بالتوازن العسكرى بين إسرائيل وسوريا ، وأضافت الصحيفة أن 600 M تمتاز بدقة التصويب وبدرجة أعلى من ” سكود دى ” وأن مداها يصل إلى 300 كم وتحمل رأسا تفجيريا يزن نصف طن ، وقد زودت سوريا حزب الله بهذه الصواريخ فى إطار سعيها إلى تشتيت مجهودات إسرائيل على عدة جبهات ..
ي أعقاب مؤامرة التخلص من المشير أبو غزالة كوزير للدفاع ، كان على مبارك أن يثبت للأمريكيين أنه لم يكن شريكا معه في برنامج الصواريخ ، وافق مبارك على ضغوطهم بنزع برامج خاصة من طائرات الـ 16F المصرية بحيث تتعطل أجهزتها بمجرد عبورها قناة السويس وما يجاورها في أقصى الشمال أو أقصى الجنوب .. كانت ذلك هو الثمن الذى قدمه مبارك للأمريكيين للحفاظ على منصبه بعد أن غدر بالمشير في عملية خطط لها وكان هدفها خلو الساحة له فقط ( راجع مقال بعنوان ” تفاصيل مؤامرة مبارك ضد المشير أبو غزالة ” لكاتب المقال ) ..
( على القارئ أن يتذكر أن السادات قد أعطى إسرائيل هدية مجانية ، بموجب تلك الهدية فإنه تُلغى وتُفكك جميع مطارات سيناء الحربية ، كما يُخلى منها السلاح بعرض 150 كم وحتى الحدود وتتواجد فقط على شريط القناة بسيناء قوة متواضعة من 30 دبابة مع سبعة آلاف جندى ، وهو ما جعل وزير الدفاع – المشير الجمسى – يبكى بسبب ما أقدم عليه السادات دون علم الوزير أو استشارته ودون ضغط أو حتى طلب من إسرائيل .. الكارثة أن المشير الجمسى علم بتلك الخيانة العظمى بالصدفة من وزير الدفاع الإسرائيلى عزرا وايزمان وليس من رئيس الجمهورية وقد فشل في إقناع السادات بالتراجع ، للقارئ أن يراجع مذكرات الجمسى ص 482 ، 500 ، هذا بالإضافة إلى بنود سرية تفاجئنا بين حين وحين ، منها أسعار خاصة للبترول والغاز بأقل من تكلفة استخراجهما ودخول السياح الإسرائيليين لسيناء بدون تأشيرة ..
أما حسنى مبارك فقد أعطى اليهود هدية مجانية أخرى بتوقيعه على ضغوط أمريكا التى تمنع طائرات الـ F16 من الطيران فوق سيناء .. إن دراجة قديمة – ميج 21 – هى أكثر نفعا من سيارة مرسيدس – F 16 – ولكن بدون عجلات ، حتى لو كانت سيارة جديدة ) ..
الموقف الصاروخى المصرى :
- على صعيد صواريخ الدفاع الجوى : تمتلك مصر صواريخ دفاع جوى من طرازات سوفيتية قديمة وأوربية غير فعالة بالإضافة إلى نوعيات رديئة من إنتاج مصرى .. نستطيع أن نقول وبتواضع أن هذه الصواريخ في مجملها هى عبارة عن حديد خردة أمام طائرات إسرائيل المقاتلة ..
- على صعيد صواريخ أرض أرض : من المؤكد أن مصر لا تمتلكها ، ومن غير المعقول أن تكشف أقمار إسرائيل صواريخ سوريا ولا تكشفها لو تواجدت في مصر ، ومن غير المعقول أيضا أن يقول الوزير الإسرائيلى بنيامين اليعازر في مايو 2010 عن مبارك ” إنه مخزون إستراتيجي لإسرائيل ” لو كان هناك شك ولو بنسبة ضئيلة للغاية عن تواجد أى صاروخ مصرى يهدد العمق الإسرائيلى ..
تقييم الموقف العسكرى المصرى ومقارنته بالإسرائيلي :
تشكل – كما أوضحنا – طائرة 16F الأمريكية العمود الفقرى في سلاح الطيران المصرى .. إذا كانت البحرين قد رفضت عقد أى صفقات فى العام الماضى مع فرنسا لشراء طائرة ” رافال ” الحديثة وقالت عنها أنها تمثل ” تكنولوجيا الأمس ” ، فماذا سيقولون عن تلك الطائرات الصينية والسوفيتية والفرنسية القديمة التى بحوزة سلاح الطيران المصرى ؟! ، وماذا سيقولون عن طائرة 16F في مصر التى قيدها مبارك في عام 1989 بقراره الخيانى والتى لا قيمة لها إذا مُنعت من الطيران شرقا ؟! هل جاءت تلك الطائرة لمحاربة السودان جنوبا أو ليبيا غربا ؟!..
نستطيع أن نقارن بين سلاحىْ الجو في مصر وإسرائيل – وبالتالى بين القوتين العسكريتين – من خلال الخطوات التالية :
- قبل أن يوقع مبارك في عام 1989على القيود التى وضعها على طائرة 16F والتى عطلت أجهزتها بمجرد عبور قناة السويس ، كانت المبارزة بين البلدين بمثابة مسدس ( مصرى ) ضد رشاش ( إسرائيلى ) ، بسبب وجود طائرة F15 لدى إسرائيل ..
- بعد التوقيع على تلك القيود أصبحت المبارزة بين البلدين بمثابة مسدس ( مصرى ) ضد رشاشيْن ( إسرائيلى ) ..
- بعد وصول طائرة 22F لإسرائيل ، أصبحت المبارزة بين البلدين بمثابة مسدس ( مصرى ) ضد دبابة ( إسرائيلى ) ..
- بعد وصول طائرة 35F لإسرائيل ، أصبحت المبارزة بين البلدين بمثابة مسدس ( مصرى ) ضد دبابتين ( إسرئيلى ) ..
- إذا أضفنا القوة الصاروخية لإسرائيل ، فإن المبارزة بينهما تصبح بمثابة مسدس ( مصرى ) ضد عدة دبابات ( إسرائيلى ) ..
( كان عبد الناصر هو القائد العربى الوحيد الذى كاد أن يتمكن عسكريا في مواجهة إسرائيل ، فكان لابد من هزيمته عسكريا لإسقاطه ، ولما فشلوا تخلصوا منه وأتوا ليس فقط بمن يُقلص المجهود العسكرى المصرى ، بل يعمل على حماية إسرائيل .. لمزيد من المعلومات ننبه إلى مقالات بعنوان ” حائط الصواريخ الذى كان هناك ، في ذكراه الأربعين ” – الجزء الثانى من ” الصهيونية العربية ، من الهاشميين إلى مبارك ” – ” في ذكرى اغتيال الفريق الليثى ناصف ، اصحى يا شعب ” – ” الصاروخ ، ذراع مصر المكسور ” لكاتب المقال ) ..
ما العمل ؟!
يمكن العمل على تعديل الموقف الدفاعى المصرى المنهار من خلال الخطوات التالية :
1- الإيمان بأن السلاح الأمريكى المورد إلى مصر هو سلاح فاسد لمصر ، فأمريكا هى حليف إستراتيجى لإسرائيل ولن تعطينا ما نسترد به مقدساتنا أو نحفظ به كرامتنا ..
2- يعتبر السلاح الروسى ندا قويا للسلاح الأمريكى ، فالمقاتلة T 50 تتساوى فى إمكاناتها مع المقاتلة الأمريكية F 22 ، كما أن المقاتلة الروسية SU 35 تتساوى مع المقاتلة الأمريكية F 35 ..
3- ليس لدينا الإمكانيات المادية لشراء طائرات روسيا الحديثة لمواجهة طيران إسرائيل ، لكنه يمكن التركيز على الصاروخ بنوعيْه ( دفاع جوى وأرض أرض ) ، علينا عدم الإنفاق حاليا على المدرعات والمدفعية لأن طائرات إسرائيل بدون طيار قد أخرجتهما من المنازلة ..
يجب الاهتمام أولا بالصاروخ دفاع جو لمواجهة صواريخ إسرائيل المذكورة سابقا وطيرانها المقاتل لأنهما هما التهديد الحقيقى لمصر ، على الأقل هذا ما يؤكده واقع التهديد المعلن لوزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان ، ثم يجب أن ننتقل فى المرحلة التالية إلى صاروخ أرض أرض لتحقيق ” توازن الرعب ” لمواجهة التهديد غير المعلن داخل قيادة الجيش الإسرائيلى ..
تستطيع صواريخ الدفاع الجوى طويل المدى الفعالة أن تتعامل مع التهديد الصاروخى والجوى الإسرائيلييْن ، بينما تستطيع صواريخ الدفاع الجوى المتوسط والقصير المدى التعامل مع الطائرات بدون طيار التى تهدد المشاة والدبابات والمدفعية بمصر .. يمكن لمصر التغلب على مشكلة صواريخ الدفاع الجوى القصيرة والمتوسطة ، لكن تبقى مشكلة صواريخ الدفاع الجوى طويل المدى تحتاج إلى حل جذرى وبلا ثغرات ..
يعتبر صاروخ 300 S الروسى مناسبا للدفاع الجوى المصرى طويل المدى وهو يغطى 150 كم بارتفاع 30 كم ، بينما الصاروخ الروسى 400 S يحقق سيطرة كاملة للدفاعات المصرية لأنه يغطى 450 كم بارتفاع 30 كم ( أى أن بطارية واحدة من 400 S = 3 بطاريات 300 S ) ، وإذا امتنعت روسيا على بيع أحد هذين النوعيْن لنا – كما فعلت مع إيران فى 2010 وحنثت باتفاقها – فهناك الصين التى تنتج كلا منهما .. الملفت للنظر أن حصول مصر لأى من الصاروخين لا يعد خرقا لمعاهدة كامب ديفيد ..