كتلة الأسرار: كيف تسترق الولايات المتحدة وبريطانيا السمع على العالم
-المؤلف: جيمس بامفورد-- عن حرب 67
قتل الأسرى المصريين
في التاسعة وخمس دقائق كانت منارة مدينة العريش ترى بوضوح من على السفينة, ولم يكن في ذلك المنظر أي شيء ملفت للانتباه. غير أن اقتراب السفينة أكثر وأكثر قبالة المدينة كان السبب الذي دفع بالإسرائيليين لقصفها. ففي تلك الساعات بالضبط وخلف المنارة التي رآها طاقم السفينة عن بعد كانت وحدات من الجيش الإسرائيلي تنفذ بدم بارد إحدى مجازر القتل الجماعي لأسرى الجيش المصري.
وكما يقول المؤلف فقد تبدى للإسرائيليين بعد مرور ثلاثة أيام على بداية الحرب والاكتساح الذي قاموا به لسيناء وتكاثر عدد الأسرى المصريين أن هؤلاء الأسرى باتوا يشكلون عبئا لا يمكن تحمله. فليس هناك مكان لإيوائهم في خضم أيام الحرب, ولا وسائل لنقلهم إلى إسرائيل, ولا عدد كاف من الجنود الإسرائيليين لحراستهم والإشراف عليهم, لذا فإن الحل الأمثل كان قتلهم والتخلص منهم على الفور.
”
إسرائيل نسجت أكاذيب كثيرة خلال حرب 67 ووزعتها على كل العناوين: أكاذيب للإعلام العالمي حول البادئ بالحرب, وأكاذيب لمجلس الأمن, وأكاذيب للولايات المتحدة, وأكاذيب للرأي العام الإسرائيلي وهكذا فقد كانت حقيقة وتفاصيل ما حدث مدفونة تحت أرتال من الأكاذيب المتنوعة
”
وقد ذكر شهود عيان ممن نجوا, من على ظهر السفينة "ليبرتي" بأنهم شاهدوا بأعينهم تفاصيل عملية الإبادة مثل إجبار ما يقارب من ستين جندياً مصرياً على الاصطفاف في صف واحد بجوار مسجد العريش ثم إطلاق النار عليهم دفعة واحدة من البنادق الرشاشة الإسرائيلية وكيف تحول رمل الصحراء تحت أقدامهم إلى بركة من اللون الأحمر. ولهذا السبب فإن إبادة "ليبرتي" نفسها صارت مطلوبة لأن من عليها كانوا هم الشهود الأهم, إن لم يكونوا الوحيدين, على تلك المجزرة. هذا فضلا عن أن أجهزة التنصت والتجسس المجهزة بها السفينة, بحكم وظيفتها, كانت تؤهلها لتسجيل الاتصالات بين الوحدات الإسرائيلية التي نفذت المجزرة وقياداتها العليا وهذا يوسع نطاق الإدانة ويحرم إسرائيل من الزعم في المستقبل بأن تلك المجزرة, فيما لو اكتشفت, إنما كانت تصرفا "فرديا" ولم تصدر أوامر عليا بتنفيذها.
ويقول المؤلف إن إسرائيل نسجت أكاذيب كثيرة خلال تلك الحرب ووزعتها على كل العناوين: أكاذيب للإعلام العالمي حول البادئ بالحرب, وأكاذيب لمجلس الأمن, وأكاذيب للولايات المتحدة, وأكاذيب للرأي العام الإسرائيلي وهكذا فقد كانت حقيقة وتفاصيل ما حدث مدفونة تحت أرتال من الأكاذيب المتنوعة.
مع حلول منتصف النهار, وكانت المجزرة لا زالت دائرة, أرسل ضابط إسرائيلي إشارة إلى قياداته تقول بأن السفينة الراسية قبالة العريش تقصف الجيش الإسرائيلي, في كذبة كبرى ذلك أن سفينة التجسس لم يكن بمقدورها أن تقصف كونها ليست سفينة حربية. ورغم أن طائرات وأجهزة وسفن الاستكشاف الإسرائيلية كانت قد رصدت السفينة الأميركية لمدة ست ساعات متواصلة من الساعة السادسة صباحا وحتى الثانية عشر ظهرا, وتأكدت من هويتها الأميركية بما لا يدع مجالاً لأدنى إشكال, إلا أن القرار كان قد اتخذ بقصف السفينة مهما كانت حليفة لأنها صارت شاهدا على المجزرة.
ولتنفيذ عملية التخلص من السفينة انطلقت ثلاثة طرادات بحرية من ميناء أسدود على بعد خمسين ميلاً من السفينة, كما تحركت طائرات ميراج حربية إسرائيلية باتجاه "الهدف" مزودة بمدافع من عيار 50 ملم وقنابل نابالم. ومن دون أي تحذير بدأت الطرادات والطائرات بقصف السفينة في وقت واحد مما أصاب طاقمها الأميركي الذي بوغت بالمفاجأة بالرعب.
ويقول أحد الضباط الذين نجوا إنه لم تكن هناك أي إشارات أو ألوان على الطائرات بحيث يمكن معرفة هويتها. وفي لحظات القصف المتواصل ركض مسؤولو الاتصال في السفينة نحو أجهزة الإرسال وأرسلوا رسائل استغاثة للأسطول الأميركي السادس ولكل من يمكن أن يسمع تلك الرسائل. لكن سرعان ما تمكنت الطائرات الإسرائيلية من إسكات أجهزة الإرسال على ظهر السفينة أيضاً وقطعتها عن العالم الخارجي لتسهيل "إبادتها" بصمت. وبعد أن أنهت طائرات الميراج مهمتها غادرت وجاء مكانها سرب من مقاتلات سوبر مستيرز التي تابعت قصف السفينة لكن باستخدام قنابل النابالم هذه المرة.
جونسون يغرق السفينة وسرها
كل هذه التفاصيل وغيرها كثير بقي طي الكتمان في مخازن وكالة الأمن القومي التي عرف لاحقاً أنها كانت تراقب عن كثب كل تفاصيل عملية القصف ومتأكدة من أنها ليست "خطأً", وذلك بسبب وجود طائرة تجسس أميركية قدمت من أجواء أثينا إلى شرق المتوسط في مهمة تجسس روتينية وكانت تحوم في أجواء المنطقة التي كانت تقف فيها السفينة.وحول نجاحهم في قصف "هدف بحري", وبعد تحليل المعلومات تأكد الأميركيون أن سفينتهم كانت هي الهدف. لكن التحرك الأميركي لنجدة السفينة المنكوبة لم يبدأ إلا بعد ساعتين من بداية تدميرها عندما حرك الأسطول السادس بعض الوحدات البحرية باتجاه موقع السفينة.
وصلت رسالة سريعة من إسرائيل تطلب من جونسون "دفن الموضوع" الذي استجاب على التو مبرراً ذلك بأن كون السفينة كانت قريبة من مواقع الإسرائيليين والمصريين فإن ذلك سوف يفسر من قبل العرب بأنها كانت تتجسس لصالح إسرائيل. وتم استدعاء الطائرات الحربية الأميركية التي توجهت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, وقد استشاط قائد السفينة غضباً وهو يعلم أن "النجدة" قد عادت أدراجها في الوقت الذي كانت تتعرض فيه سفينته للغرق