تحقيقات وحوارات > حائط الدفاع الصاروخي المصري أصاب إسرائيل بـ«الشلل التام»
روزاليوسف
كتب اسلام عبد الكريم
العدد 1818 - الأحد - 2011
في ذكري العدوان الإسرائيلي الغاشم علي الدول العربية في الخامس من يونيو عام 1967 كشفت الصحف الإسرائيلية عن العديد من الخبايا التي ظلت مطوية طوال السنوات الماضية، ومنها وقائع الجلسات السرية والمحادثات الجانبية بين قادة الكيان الصهيوني.
أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مدي المخاوف التي ظلت تلاحق صانع القرار الإسرائيلي من جراء حائط الدفاع الجوي المصري.. الذي قطع الذراع الطويلة للجيش كما يطلق علي قواته الجوية.
ووصفت «الصحيفة» نجاح مصر في عبور قناة السويس و«الكابوس» الذي ظل يؤرق الإسرائيليين فضلاً عن عنصر آخر أرّق قادة إسرائيل والأمريكيين علي حد سواء، وهو "الدب الروسي"، فقد كان دور موسكو في ساحة الشرق الأوسط سؤالا لا يفارق خاطر جميع الأطراف.
أضافت «يديعوت» أنه في مارس 1969 قامت المدفعية المصرية بفتح وابل من النيران الكثيفة دكت الحصون الإسرائيلية بطول خط القنال، وتعتبر تلك العمليات جزءاً من استراتيجية الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" التي اشتملت علي ثلاث مراحل، أولاها الدفاع النشط واتخاذ إجراءات استباقية تجهض أية عملية إسرائيلية عسكرية مقدما ومرحلة الردع التي ألحقت أضراراً بالغة بإسرائيل، والمرحلة الثالثة والنهائية وهي عبور القناة وإعادة سيناء، ولكن الخطوة الأخيرة تأجلت مرة بعد الأخري بسبب التحركات العسكرية الإسرائيلية السريعة في مواجهة التحركات المصرية التي أثرت سلبا علي بناء القوات المصرية.
وأشارت "يديعوت" إلي أنه كان هناك خوف ملازم لصناع القرار في إسرائيل من نجاح مصر في عبور القناة، حيث قدم رئيس الأركان الإسرائيلي "حاييم برليف" مقترحا بقصف العمق المصري للخروج من حالة الجمود الراهنة، ولمنع مصر من استعدادها للحرب وتحقيق الهدوء علي جبهة قناة السويس، فاقترح "برليف" توسيع نطاق العمليات الجوية، خاصة علي الأهداف العسكرية المتواجدة داخل العمق المصري، لكن القادة الإسرائيليين لم يدركوا أن مهاجمة العمق المصري ستحفز الدب الروسي علي التدخل.
وفي 7 يناير 1970 قامت طائرات إسرائيلية من طراز "فانتوم" و"سكاي هوك" بمهاجمة معسكر دهشور جنوب القاهرة، والذي كان يعتبر مخزناً للصواريخ ومعسكرا للتدريب، وهاجمت أيضاً معسكر أنشاص مقر قوات الصاعقة المصرية، وتواصلت هجمات القوات الجوية الإسرائيلية بلا هوادة حتي 12 فبراير، وفي نفس اليوم تم إرسال طائرة «فانتوم» أخري لقذف معسكر الخانكة، ولكن يبدو أنه قد وقع خطأ ما في أجهزة الملاحة بالطائرة وقام طاقم الطائرة، بقذف مصنع عمال في منطقة أبو زعبل مما أدي لسقوط 70 قتيلاً من عمال المصنع بالإضافة إلي عشرات المصابين.
وأعربت حكومة إسرائيل بعد الحادث عن أسفها لسقوط مدنيين، إلا أن الواقعة أثارت بعد الحادث دول العالم، وللمرة الأولي بدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية متحفظة، وأعلنت لوزرائها أن الولايات المتحدة الأمريكية منزعجة للغاية من تلك التطورات، خاصة من التقارير حول الضلوع السوفيتي، وأوضحت "جولدا" أن الأمريكيين لا يعرفون كيف سيكون رد فعل الدب الروسي، وما إذا كانوا سيرسلون طيارين لمصر أم جيوشا، مستعرضة تصريحات خبير أمريكي بأن العمليات في العمق المصري اعتبرها الاتحاد السوفيتي استفزازا تجاه السوفييت أنفسهم.
ولم تترد جولدا في التعبير عن مخاوفها من التدخل السوفيتي في الحرب، وقالت "هل سترسل روسيا طياريها؟ أنا لا أخجل من القول إننا نخشي من الروس، وبالرغم من تلك المخاوف فإنها في نهاية الجلسة قررت مواصلة قصف العمق المصري لبعد أكثر من 20 كم من القاهرة .
ولفتت الصحيفة إلي أن الحكومة الإسرائيلية وهيئة الأركان ناقشا مرارا وتكراراً قبل الموافقة علي قصف العمق المصري احتمالية الرد السوفيتي علي القصف الإسرائيلي، وعرض مساعدة علي المصريين والتدخل لحماية سماء مصر، ولكن التقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية لم تقيم بشكل جيد كيف ستتعامل موسكو مع ذلك الوضع.
وفي 5 يناير 1970 أوضح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أهارون ياريف" خلال جلسة مناقشات في هيئة الأركان.. أن مهاجمة العمق المصري سيدفع المصريين للتوجه للسوفييت لطلب المساعدة، وطرح استفسارا حول إمكانية أن تمنح موسكو لمصر الصاروخ أرض ـــ جو SA-3.
وخلال جلسة أخري لهيئة الأركان الإسرائيلية في أوائل فبراير، قدم رئيس الاستخبارات العسكرية تحذيرا سوفيتيا لإسرائيل بأن قادة الدول العربية سيكون لديهم الوسائل لصد التعديات، وعرض عليهم زيارة عبدالناصر لموسكو ولكنه لم تكن لديه معلومات عن مطالب عبد الناصر من روسيا.
واكتشفت إسرائيل بعدها عدة مواقع علي شكل الحرف "T" بالقرب من القناة، وهاجمتها الطائرات الإسرائيلية بقوة دون أن تعرف أهدافها، فقد كانت هناك إشارات علي تنامي الدور السوفيتي في المعركة، وأفادت تقارير الاستطلاع الجوي الإسرائيلي بأن تلك النقاط التي تقع علي بعد من 20 ــ 30 كم من شرق القناة تحولت بسرعة لنقاط حصينة وتم تثبيت صواريخ بها، ثم كشفت عن وجود أربع بطاريات للصواريخ الروسية طراز SA-2 وبعدها بأسبوعين كان جليا لدي إسرائيل أن مصر أصبحت تمتلك عشر بطاريات لصواريخ SA-3 بطواقمها الروس.
وأشارت «الصحيفة» إلي أن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لم تقرأ الصورة بشكل صحيح، وأن تلك البطاريات السوفيتية المتقدمة قد هددت إسرائيل بتغيير الأوضاع التي كانت قائمة من انتهاكات جوية مستمرة للعمق المصري، فقد استمرت إسرائيل في استخدام ذراعها الطويلة ـــ القوات الجوية ـــ في ضرب الأهداف المصرية حتي توقف عملياتها في 7 أغسطس عام 1970، فقد دفعت مصر ثمنا باهظا من أرواح أبنائها من أجل تشييد هذا الحائط الصاروخي علي القناة، وفقدت القوات الجوية الإسرائيلية عدة طائرات في إطار محاولاتها وقف استكمال بناء الحائط الصاروخي.
ومن جانبها فقد عقدت الحكومة الإسرائيلية مباحثات موسعة علي أثر التدخل الروسي في الجبهة الجنوبية لها، وفي إحدي الجلسات أوائل يونيو 1970، أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي أنه لم يعد بمقدورهم مهاجمة أي من بطاريات الصواريخ التي تبعد عن القنال بـنحو ثلاثين كيلومتراً، مشيرا إلي نظر هيئة الأركان الإسرائيلية في الانسحاب من المنطقة الموجودة شمال القنطرة.
وفي تلك الأثناء تدفقت الرسائل من الولايات المتحدة علي إسرائيل بواسطة السفير الإسرائيلي "إسحاق رابين".. الذي أوضح لحكومته أن نجاح إسرائيل في هذا النظام الصاروخي سيحدد وزن إسرائيل في تحديد التطورات السياسية والعسكرية في المستقبل القريب، ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان الموقف بـ"الملاكم الروسي الذي يرتدي القفاز المصري".
وطلب «ديان» من هيئة الأركان حلاً استراتيجياً، وطلب منهم تدمير هذا النظام الصاروخي مقابل أي ثمن، وأعرب لهم عن مخاوفه من طلب المصريين لبطاريات صاروخية أخري، لكن قائد القوات الجوية "موتي هون" اضطر للاعتراف له بأن تلك المشكلة ليس لها حل، وهو ما اضطر رئيس الأركان الإسرائيلي "حاييم برليف" إلي أن يوصي بقبول اقتراح الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار خلال جلسة الهيئة بتاريخ 27 يونيو.
وكانت ليلة الثامن من أغسطس 1970 ليلة فاصلة، فقد سبقها بيوم تطبيق وقف إطلاق النار بطول خط القناة، ولكن سرعان ما اتضح هدفها بالنسبة للمصريين، الذين استخدموها في التغطية والتمويه علي تقدمهم نحو خط القناة، ووفقا لمذكرة التفاهم بين الطرفين، فإن مصر تعهدت بعدم إدخال أو تقديم قوات أو بناء قواعد صاروخية علي مسافة 50 كم من شرق القناة، ولكن مع منتصف الليل أمر الفريق "محمد فوزي" وزير الدفاع المصري قوات الدفاع الجوي بالتقدم نحو الضفة الغربية لقناة السويس.
واتضح أن الاستجابة المصرية لوقف إطلاق النار كانت في إطار عملية الخداع المصرية ـــ الروسية التي سمحت باستئناف الحرب فيما بعد تحت حماية مظلة صاروخية لقوات الدفاع الجوي.
وفي 10 أغسطس 1970 أعلن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن الصور الجوية كشفت عن وجود نظام صاروخي متمركز في أماكن متقدمة، وتضم ما بين 16 و18بطارية تم تحريكها بعد وقف إطلاق النار، وحذر من تقدم المصريين، وأن تلك العملية الكبيرة تمت تحت إشراف روسي.
وأشار إلي ان هذه الخطوات كان مخططاً لها جيدا من البداية، وكان بها استغلال جيد للفترة التي سبقت وقف إطلاق النار التي شهدت توقف العمليات الجوية الإسرائيلية، وبين تلك الفترة التي لم يتم فيها استقرار تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، وأن الأمر لم ينطو علي مكاسب عسكرية فحسب بالنسبة للمصريين.. بل مكاسب سياسية أيضا.
وفي 7 سبتمبر من ذات العام أعلن "عاموس جلعاد" من قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية أنه منذ قرار وقف إطلاق النار تم إمداد القواعد المصرية بثلاثين صاروخا علي امتداد 30 كم من خط القناة، وأوضح أنه بات الآن لدي المصريين 87 كتيبة صواريخ، من بينها 62 كتيبة تستخدم صواريخ SA-2 المصرية، و25 كتيبة تستخدم الصواريخ SA-3 الروسية، وفي نهاية التقرير أوضحت "يديعوت أحرونوت" أن مصر استغلت تلك الظروف جيدا، واستفادت منها من أجل التحضير والإعداد لمعركة العبور.