احتـــــــــــــلوا

احتلوا

ايه اف بي
2011/10/15

يعرض لنا تاريخ الولايات المتحدة أن إفلاسات المصارف هي من ضمن التقاليد الأمريكية العريقة. كانت أول حالة إفلاس لبنك

أمريكي في عام 1811، أي بالضبط قبل قرنين من الزمن. في ذلك العام، ونتيجة لتضاعف عدد المصارف في جميع أنحاء

البلاد، صدرت القوانين التي تسمح للبنك بإصدار أوراق بنكنوت. سمحت تلك القوانين التي طبقت في العديد من الولايات أن

يصدر المصرف أوراق بنكنوت بكمية توازي من ثلاثة إلى خمسة أمثال رأس المال. لكن هذا الاشتراط لم يكن فاعلا في ولايات

أخرى، كما في ولاية رود أيلاند التي شهدت أول إفلاس لبنك أمريكي. كان رأسمال البنك 45 دولارا، لكنه قام بإصدار أوراق

بنكنوت بـ 800 ألف دولار، أي أكثر من 17 ألف مثل رأسماله.

أيضا من ضمن الصروح المهمة في الاقتصاد الأمريكي شارع وول ستريت شارع المصارف والبورصة، الذي انطلقت منه

أخيراً موجة الاحتجاجات ضد جشع المصارف والشركات. يعود إطلاق بورصة وول ستريت إلى عام 1817 من قبل ما سمي

بمجلس السماسرة الذين أرادوا بورصة مشابهة لبورصة فيلادلفيا. استأجر المجلس لهذا الغرض، الطابق الثاني في مقر بنك

نيويورك، في 40 شارع وول ستريت بمبلغ 200 دولار سنويا شاملا التدفئة. اللافت أن الشارع الذي تفترشه جموع المحتجين

حاليا، كان يشهد في 1863 الكثير من الصفقات التجارية التي كانت تتم تحت أعمدة الإنارة.

لعقود من الزمن، أبدى الأمريكيون مخاوفهم فيما سموهم بـ "حيتان المال". حتى إن الرئيس الثالث لأمريكا توماس جيفرسون،

اعتبر خطر المؤسسات المصرفية أقوى بكثير من الجيوش النظامية. كما انتقد بشدة المضاربات المالية واصفا إياها بنوع من

المقامرة المدمرة للقيم الأخلاقية.

وبالعودة إلى حركة الغضب الأخيرة، فإن ما يجمع المحتجين الذين افترشوا شوارع أكثر من مدينة أمريكية وأوروبية، انتماؤهم

إلى ما وصفوه "نسبة الـ 99 في المائة الذي يقابل جشع الـ 1 في المائة".

في المقابل، يظهر تيار آخر من خبراء الاقتصاد، غير المتحمسين، لإلقاء اللوم بكامله على كاهل الديون. بحسب تفسيرهم فإنه

وعلى الرغم، من أن أزمة الديون هي أزمة حقيقية تهدد بالهلاك في السنوات المقبلة، فإنها ليست أساس المرض. يصر هؤلاء

الخبراء على أن الديون الأمريكية والأوروبية، التي تبدو أنها صلب المشكلة، ما هي إلا أحد أعراض المرض الحقيقي الذي هو

الافتقار إلى الطلب الإجمالي، أي الاستهلاك والإنفاق. فأسواق الولايات المتحدة وغيرها من الأسواق المتقدمة تعاني نقصا في

الاستهلاك لعدة عقود. ويبدو أن هذا النقص قد وصل إلى ذروته. هذا التبرير له ما يدعمه من الإثباتات. أهمها عامل شيخوخة

السكان، فالإنسان ينفق في شبابه أكثر مما ينفق حين يقترب من سن التقاعد، خصوصا على السيارات والمنازل الجديدة والملابس

والأثاث. يضاف إلى ذلك موضوع العمالة، حيث يبدو أن هناك أكثر من ملياري عامل من آسيا وبلدان العالم الفقيرة انتزعوا

وظائف الكثير من عمال البلدان المتطورة. مما أثر في معيشة العديد من الأسر المتوسطة الدخل في أوروبا وأمريكا. كما لا

يمكن إغفال دور الآلات التي تحل مكان الإنسان مما يزيد من أرباح أصحاب الشركات ويقلص الأجور.

كل هذه المشكلات ستجمع تأييدا متزايد لحملة "احتلوا" التي تحاول التمدد إلى أكثر من 25 دولة حول العالم. ولا يبدو أن

الحلول قادمة بشكل سريع.

نهى علي