زين العابدين عبد المنعم عضو ذهبى
عدد المساهمات : 2091 تاريخ التسجيل : 05/08/2010 الموقع : سواح
| موضوع: لمَ القنابل النووية الصغيرة؟ الأحد أكتوبر 30, 2011 2:13 am | |
| لمَ القنابل النووية الصغيرة؟ الشعب
د. إبراهيم علوش
يقوم مفهوم الردع النووي في الأدبيات العسكرية على سياسة امتلاك سلاح نووي قادر على زرع بعض "الحكمة" و"التعقل"
في عقل خصم مهاجم يمتلك السلاح النووي. وفكرة الردع لا تعني بالضرورة امتلاك سلاح موازي من حيث القوة والتأثير، بل
تعني القدرة على إلحاق أذى غير محتمل بالخصم المهاجم تجعله يكف عن مجرد التفكير باستخدام السلاح النووي ضدنا. ويقوم
الردع النووي بالتحديد على تطوير القدرة على حيازة سلاح نووي يمكن من يتعرض للاعتداء من توجيه ضربة ثانية، أي
ضربة انتقامية بعد الضربة التي يتعرض لها، أو امتلاك، وهو الأفضل، القدرة على توجيه ضربة نووية أولى تشل قدرة الخصم
على توجيه ضربات انتقامية.
النتيجة الموضوعية لامتلاك القدرة على توجيه "ضربة نووية أولى بدون عواقب" هي تحول الدولة القادرة على توجيهها إلى
قطب سياسي يملي إرادته السياسية على منافسيه وفي مجاله الحيوي، مما يستتبع توسيع نطاق نفوذه السياسي، لا العسكري
فحسب. فما دامت تستطيع دولة أن تضرب دون أن تُضرب، وأن تأذي دون أن تتأذى، فإنها تستطيع بالتالي أن تتمادى في
استخدام الأسلحة التقليدية، أو حتى غير التقليدية غير النووية (الكيميائية والبيولوجية)، وهي تدرك أن خصومها لا يستطيعون أن
يصعدوا المواجهة حتى النهاية النووية مثلها، ولولا ذلك، لما استخدمت الولايات المتحدة القنابل النووية ضد اليابان،
ولاستخدمتها ضد الاتحاد السوفييتي السابق.
هذا يعني أن الدول التي لا تمتلك غطاءً نووياً ذاتياً أو حليفاً تبقى في موقفٍ ضعيفٍ استراتيجياً إزاء الدول المعادية التي تملكه.
ولذلك، فإن أساس السلام العالمي كان وما برح امتلاك أقطاب دولية متعددة لقدرة الردع النووي المتبادل، مما يفرض سقفاً
ضرورياً للصراع بالأسلحة التقليدية، وغير التقليدية غير النووية، ما دام التصعيد من السلاح التقليدي إلى غير التقليدي سيؤدي
إلى الدمار الشامل المؤكد والمتبادل. ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضٍ لفسدت الأرض. والقوي والضعيف لا يصنعان سلاماً.
بل لا يقوم السلام إلا في ظل وجود قدرة ردعية متبادلة، ولهذا دافع برفسور العلاقات الدولية الأمريكي المعروف كنيث والتز
من جامعة كولومبيا، عن نشر السلاح النووي، بدلاً من الحد من انتشاره، كوسيلة لنشر السلام بين الدول.
الدرع الصاروخي الذي تريد الولايات المتحدة أن تقيمه في أوروبا الشرقية في مواجهة روسيا يضعف من قدرة روسيا على
ردع الولايات المتحدة نووياً، وبالتالي يخل بميزان القوى العالمي، ويزيد من فعالية السياسة الخارجية الأمريكية لأنه يزيد من
وزنها الدولي إزاء الدول الأخرى. فهو محاولة لاستيعاب النتائج التي تمخض عنها تكسير القوة والهيبة الأمريكية في العراق.
على نفس المنوال، كان وما زال يشكل امتلاك الكيان الصهيوني لأكثر من مئتي رأس نووي حسب وسائل الإعلام، وربما تكون
أكثر، عاملاً من أهم عوامل اختلال ميزان القوى العربي-الصهيوني، خاصةً أن العقيدة العسكرية الصهيونية تقوم على اللجوء
إلى الردع النووي ضد العرب، كخيار أخير، في حالة تمكنهم من إيقاع هزيمة عسكرية شاملة بالصهاينة. ولهذا كان لا بد من
استهداف برامج التسلح العراقية، وضرب مفاعل أوزيراك عام 1981، وخوض عدوان ثلاثيني على العراق تحت عنوان
"أسلحة الدمار الشامل".
ولهذا سعت قوى الهيمنة الخارجية لاستهداف كل برنامج تصنيع عسكري حقيقي عربي، منذ محمد علي باشا في مصر في
القرن التاسع عشر، إلى اغتيال العلماء الألمان وغير الألمان الذين سعوا لتطوير الصواريخ في مصر عبد الناصر، مثل
صواريخ "الظافر" و"القاهر" و"الناصر"، ولهذا تمت تصفية برنامج التصنيع العسكري المصري في ظل العميل أنور السادات.
ولهذا يستهدف اليوم البرنامج النووي الإيراني دولياً، لأنه يتيح لإيران حصة أكبر في الغنائم الإقليمية من تلك التي قررها لها
الطرف الأمريكي-الصهيوني.
السلاح النووي يصنف بعدة طرق، منها تصنيفه إلى سلاح نووي استراتيجي وتكتيكي. أما السلاح النووي الإستراتيجي، فهو
ذاك الذي يستخدم لاستهداف أماكن واسعة جغرافياً أو لصد الهجمات النووية، أما النووي التكتيكي، فهو تلك القنابل النووية
المستخدمة على أرض المعركة. والنوع الثاني يمكن أن يلقى بالطائرات أو بالصواريخ أو الغواصات مثل الأول سوى أن
حمولته النووية أقل بكثير، وقابلة للتعديل، ولا تحدد إحداثيات أهدافه مسبقاً مثل القنابل النووية الإستراتيجية، بل تحدد حسب
ظروف المعركة الميدانية. ومن القنابل النووية التكتيكية نوعٌ يسمى "حقائب اليد النووية"، وهي قنابل يمكن أن يحملها شخصٌ
أو شخصان، يتسع لها صندوق سيارة عادية، وأن توضع باليد في المكان المستهدف.
نظرياً، تتوافر معلومات كافية على شبكة الإنترنت يمكن أن يصل إليها من يرغب، وأن يفهمها من يمتلك حداً أدنى من المعرفة
بالفيزياء النووية، لبناء قنبلة نووية صغيرة بدون الاضطرار حتى لشرائها من دول الاتحاد السوفييتي السابق، أو من غيرها.
المشكلة على ما يبدو هي الحصول على خمسين كيلوغراماً من اليورانيوم عالي التخصيب، ويبدو أن اليورانيوم غير المخصب
أسهل منالاً، وكذلك الكميات الأقل وزناً من خمسين كيلوغرام، وقد سبق أن اختفت كميات من اليورانيوم غير المخصب من
مستودعاتها دون أن تتمكن الدول من تتبع أمكنتها.
نظرياً أيضاً تستطيع دولة عربية صغيرة أن توظف بضعة مئات من ملايين اليوروات لبناء قنبلة نووية عادية، لا صغيرة، لو
توفرت الإرادة السياسية، وأن تعدل طائراتها وصواريخها لإطلاقها... ولكن ما دامت الدول العربية تفتقد للإرادة السياسية، فإن
مسؤولية الردع النووي وتعديل ميزان القوى العربي-الصهيوني تكون قد انتقلت لقوى المقاومة العربية بالضرورة، وهي
مسؤولية لا يمكن ولا يجوز التهرب منها. ونحن لم نعد كما كان أجدادنا عام 48 فلاحين أشباه أميين، بل يوجد بيننا اليوم آلاف،
إن لم يكن عشرات آلاف الشباب والشابات القادرين على إتقان علوم العصر وعلى التميز فيها، والعربي لا ينقصه شيء بين
شعوب الأرض إلا الإرادة السياسية. والتاريخ لا يطرح أمامنا إلا المعضلات التي نقدر على حلها.
باختصار يجب تحييد السلاح النووي "الإسرائيلي" من خلال تطوير أسلحتنا غير التقليدية بجميع أنواعها، ومنها القنابل النووية
الصغيرة المحمولة من شخص أو شخصين. ويجب أن يعرف اليهود في فلسطين بأن الله حق، وبأن المقاومة تمتلك القدرة على
الردع النووي، وأن المقاومة على استعداد لاستخدامها مثلهم تماماً عند الضرورة، وهو ما يفقدهم أفضلية امتلاك السلاح
النووي، وأفضلية القدرة على توجيه ضربة نووية أولى بدون عواقب تذكر. وتمتلك قوى المقاومة أفضلية على الدول العربية
بأنها لا تمثل دولة أو كيان رسمي يمكن الانتقام منه لو وقع الأسوأ. فالانتقام هنا ضد دولة أخرى يعني خسائر سياسية صهيونية
غير محتملة أيضاً.
ولا يعني ذلك أن التحرير غير ممكن بدون امتلاك المقاومة قنابل نووية صغيرة وأسلحة غير تقليدية، لأن عوامل القوة
والضعف لا تنحصر بالسلاح النووي، والاتحاد السوفييتي انهار وهو مدججٌ بعشرات آلاف الأسلحة النووية من كافة الأنواع،
ولكن بعضنا يصر على ما يبدو أن تبقى "إسرائيل" متفوقة علينا نووياً، وأن تمتلك بالتالي عنصر قوة إستراتيجي علينا.
وأذكر هنا أن مؤسسة ميمري الإعلامية الصهيونية، وبعض المؤسسات المرتبطة بها، نشرت على النت تعميماً يوم
16/5/2008 يقتطف بالتصوير ما ذكرته في برنامج الاتجاه المعاكس يوم 13/5/2008، في الحلقة المتعلقة بزوال "إسرائيل"،
حول ضرورة تفكير قوى المقاومة بامتلاك واستخدام القنابل النووية الصغيرة في مواجهة القنابل النووية الصهيونية. وكان
طبيعياً أن تثير تلك المداخلة في ضوء ما سبق حفيظة الصهاينة.
أما الهجوم الأرعن الموازي لحملة ميمري والمؤسسات الصهيونية في صحيفة الدستور الأردنية يوم 19/5/2008 على كاتب
هذه السطور وعلى نفس المداخلة، فلم يكن إلا صدىً أصفرَ لتلك الحملة المناصرة للصهيونية، قام عليها أشخاصٌ معروفون
بتاريخهم التطبيعي، حتى لو نشروا الرد بأسماء أصدقاء لهم، لا بأسمائهم الشخصية، حاولوا فيه أثارة الفزع بأن التعرض
للصهاينة يضر بالمدنيين الفلسطينيين والأردنيين، قبل اليهود، وهو دأبهم وديدنهم أن يثبطوا العزائم وأن يفبركوا الذرائع
لمعارضة أية خطوة عملية أو سياسية معادية للاحتلال، حتى يستسلم الناس للشروط الصهيونية ويكفوا عن المقاومة، ولو كان
همهم وطنياً حقاً لقالوا لنا كيف يقترحون بالضبط أن نحيد الفزاعة النووية "الإسرائيلية"!!!! | |
|