شرح أشجار رام الله تنادي الدكتور محمد المليجى

صوت الشهادة يشدو
قراءة في ديوان (أشجار رام الله تنادي) للشاعر محمد المليجي (رحمه الله)

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

بقلم: حامد عبدالرازق

أماه يا أم الشهيد تجلدي ** زفِّيه للحور الحسان وزغردي
لفِّيه في علَم البلاد كرامةً ** غنِّيه ألحان السماء وردِّدي

لعل المفتاح في ديوان الشاعر الإسلامي الراحل/ محمد المليجي (1391هـ- 1425هـ/ 1971- 2005م) هي الشهيد ومشتقات الشهادة، وهي تدور حول البنية التي تربط قصائد الديوان كلها، وتمثِّل عصبَه، وعمودَه الفقريَّ، الذي يشدُّ أوصالَه، فيبدو وكأنه قصيدة طويلة من مقطوعات عديدة.

والديوان مفعم بهذه الروح الداعية إلى الاستشهاد من أول صفحاته، يقول في الإهداء الذي جعله لأمه:
علمتني حب الجهاد وحب الاستشهاد
ويقول في رسالة إلى القمة:
أنا درة الشهداء تحت العرش أسبح في الظلالِ
ومعي الذين استُشهدوا في جوف طير كاللآلي
مستبشرًا بكتائب القسام تبذل كل غال
وكتائب الأقصى على درب الشهادة باختيال
ويقول في "يا درة الشهداء.. هل تفتيني؟!":
والدرَّة الطفل الشهيد دماؤه ** نظراته في مهجتي وعيوني
ومواكب الشهداء كل صبيحة ** شقت حواجز صمتنا الملعون

وهكذا تتكرَّر مشتقات مادة (شهد)؛ مما يشير صراحةً إلى هذا المعنى النبيل الذي يطلبه كل مؤمن صادق الإيمان، ومن أمثلة هذه العبارات:
ص11 يا درة الشهداء هل تفتيني؟!
ص14 يا درة الشهداء يا آية الحب
في ملتقى الشهداء قد كنت خلف أبي
ص15 مع سيد الشهداء والآل والصحب
ص20 قم درة الشهداء واحمد ربَّنا!!
ص13 يا بائعين بلادنا ودم الشهيد ألا اخجلوا
ص23 أماه يا أم الشهيد تجلَّدي
فالله يغفر للشهيد ذنوبه في أول السيل المعطر والندى
وقد اشترى نفس الشهيد وماله ليفوز عند مليكه بالمقعد

وتتعانق مع هذه القضية قضية أخرى هي المقدمة المنطقية المُفضية إلى بلوغ مرتبة الشهداء وهي قضية الجهاد.

طريق العزة
الديوان يركن- وهذا صحيح- إلى أن الجهاد هو طريق عزَّة هذه الأمة، وهو طريق تبوئها ذرا الإيمان والمجد، ومن هنا تواجهك قصائد الديوان كلها بمعجم ممتد كثيف، يدعو إلى الجهاد وتحرير أوطان الإسلام مما رانَ عليها من أنواع الاستعمار يقول في الإهداء لأمه:
علمتني حب الجهاد
ويقول: صلاح الدين حي على الجهاد
ويقول: رام الله ليس سوى الجهاد
ويقول: أما الجهاد فساحتي وعريني
ويقول: يكسو من حلل الكرامة سندسًا بيقينه وجهاده للمعتدي
ويقول في أحمد ياسين: شيخ الجهاد تحيةً وسلامًا
ويقول: ناديت حي على الجهاد تهزنا نبرات صوتك عزةً إقدامًا
ويقول: يا قدس صبرًا فالجهاد سبيلنا

ومن جانب تآزُر هذه العلامات في بنية الديوان تقنية استدعاء الشخصيات التراثية التي تؤكد هذه الروح الجهادية الاستشهادية؛ ولذلك نجد حرصًا واضحًا على استدعاء رموز الجهاد في تاريخنا المجيد من الصحابة الكرام والأبطال العظام، الذين عُرفوا بتاريخهم الجهادي المنير، من مثل خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، وصلاح الدين الأيوبي.. يقول محمد المليجي:
صلاح الدين حي على الجهاد
ويقول: في بيتنا الخنساء تشتاق في قربي
واختيار الخنساء تحديدًا لما عُرف عنها في موقف استشهاد أبنائها بعد إسلامها، ومن موقف امتناعها عن رثائهم واحتسابها أبناءَها الشهداء عند الله سبحانه وتعالى.
ويقول: قم يا صلاح الدين وحِّد صفَّنا
ويقول: أيقظ أسامة فينا أو خالدًا وصلاحًا
ويقول: لبّيت صوت القدس ينشد مسلمًا عمرًا صلاح الدين أو قسامًا
ويقول: أيناه فاروقي.. صلاح الدين

هذه علامات ثلاثة فقط تدل دلالةً قاطعةً على تعرض الدعوة إلى قيمة الجهاد والشهادة ووراءها معجم كثيف للتحريض على المقاومة والثورة والانتفاضة؛ مما يؤكد إلحاح هذه القضية على مخرجات الديوان وما يقدمه من معادن ودلالات.
يقول:
يا أمة الإسراء ثوري أو انتحبي
أطفالنا شهداء هبِّي أو انتقبي

وقد تمتع هذا الديوان بملمح بدا جديدًا في حركة الشعر الإسلامي، وهو التعبير عن مرتكزات الحركة الإسلامية وأصولها المنثورة في أدبياتها، ولعل هذه البدايات جعلت من التعبير عن هذه الأفكار مشوبًا بشيء من المباشرة، ومجافاة روح الشعر التي ينمو بها التصوير والمجاز.. من هذه الملامح تعبيره عن مبادئ الإخوان الكامنة في شعارهم، يقول:
فالله غايتنا وأحمد قدوة أما الجهاد فساحتي وعريني
وكتابنا القرآن يملأ دربنا نورًا يتم لنا بنصر الدينِ
ويقول مشيرًا إلى الأدبيات التي يتربَّى عليها أبناء هذه الحركة الإسلامية فيقول:
أنا من تربى في الرسائل والمعالم والظلال
ومن الملامح الأساسية في هذا الديوان اقتباسه كثيرًا من التعبيرات التراثية، لا سيما ما اقتُبس من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد كان لتعليمه الأزهري أثرُه البارز في ظهور هذه السمة في معجمه الشعري من مثل:

ومن قد أشربوا حب الفساد؛ مما يذكِّر بقوله تعالى ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ (البقرة: من الآية 93).
وقوله: أشكو إلى الجبار كل مخذل
أشكو إلى القهار كل خئون

مما يذكِّر بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حديث عودة ممن الطائف: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس" إلى غير ذلك.

وإذا كانت هذه القراءة قد كشفت عن كثير من الملامح الإسلامية في هذا الديوان فإن فيه بعضًا من الملاحظات التي تقترح لها بدائل من قبل قسمه بقوله: (وأيم الله) بهمزة قطع واللغة تعد هذه الكلمة بألف وصل، قطعها الشاعر لإقامة الوزن وأقترح له (ورب الناس)!!

في هذا الديوان روح حماسية فيها كثيرٌ من أفكار الحركة الإسلامية، وفيها بعض من روح الشعر، ربما كانت ستتطوَّر لو أتيح له من الوقت ما ينهض بموهبة الشعر، لكن حُمَّ القضاء.. رحم الله محمد المليجي وأثابه عن الأدب الإسلامي خيرًا.