رابعها: تستطيع زيادة حسناتك من خلال أعمال يجري ثوابها إلى ما بعد الممات:
أخي: إن صلاتك وصيامك وحجك وعمرتك وقضاءك لحوائج الناس سينقطع ثوابها بموتك، فعليك أن تبحث عن أعمال يجري ثوابها لك ولو مت، ومن أهم هذه الأعمال:
أولا: الموت في الرباط: قال r: (كلُّ ميِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطاً فِي سَبِيلِ اللهِ، فإنَّهُ يُنَمَّى لهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح عن فضالة بن عبيد t.
ثانيا: الصدقة الجارية: كالوقف الخيري، وحفر الآبار، وبناء الملاجئ للأيتام، وغرس الأشجار، وبناء المساجد والمدارس وطباعة الكتب ووقفها لله تعالى، وغير ذلك من أعمال البر، كل هذا مما تستمر حسناته لك في حياتك وبعد مماتك، قال r (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني عن أبي هريرة t.
ثالثا: تربية الولد على الصلاح تستمر حسناته لك في الحياة وبعد الممات: قال r: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: وذكر منها: .... أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم عن أبي هريرة t.
رابعا: تعليم الناس الخير من الأعمال الجاري ثوابها لك في الحياة وبعد الممات: قال r: (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إَلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم عن أبي هريرة t.
فأنت إذا دللت أخاك المسلم على طاعة الله أو على خير، فإنك تأخذ مثل أجره وثوابه، قال r: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ..) رواه مسلم عن أبي هريرة t.
خامسها: إطالة العمر باستغلال الوقت في العمل الصالح:
أخي في الله: إذا كانت الوسيلة الأولى لإطالة العمر وزيادة الحسنات: هي احتساب الأجر في كل قول وعمل... والوسيلة الثانية لذلك: هي التحلي بالأخلاق الفاضلة كصلة الرحم والإحسان إلى الجار... والوسيلة الثالثة لذلك: هي المثابرة على الأعمال ذات الأجور المضاعفة كالصلاة في جماعة.... والوسيلة الرابعة: هي المبادرة للأعمال الجاري ثوابها إلى ما بعد الممات كالصدقة الجارية... فإن الوسيلة الخامسة: هي الاستفادة من الوقت في زيادة العمل.
فاستغل يومك أخي بما يعود عليك نفعه، فقد كان عبد الله بن مسعود t يقول: [ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي).
ومن حسن الاستفادة من الوقت في وقتنا المعاصر سماع الأشرطة الإسلامية أثناء قيادة السيارة، أو أثناء عمل المرأة في البيت، كل هذا مما يزيد في الحسنات.
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أخيرا: بعد أن سجلت أخي في سجلك مليارات الحسنات يوميا، لابد لك أن تحافظ عليها وإلا لم تستفد شيئا، ولمعرفة ذلك لابد أن تحذر من أربعة أمور أساسية وهي:
1- المعاصي والذنوب: فإنها من أكثر الأمور التي تحبط الحسنات، وترجح كفة السيئات، فاقتراف ذنب واحد مثل: الزنا مثلا، أو انتهاك محارم الله، كفيل بإحباط الحسنات ولو كانت كالجبال، لقوله r: (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مَنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورا) قَالَ ثُوْبان: يَا رَسُولَ اللهِ! صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتَكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا) صحيح سنن ابن ماجه عن ثوبان t.
2- العجب والغرور بالأعمال الصالحة: فإنها تحبط ثوابها، لأن صاحبها ظن أنه سيدخل الجنة بعمله فقط.
لذلك على المسلم أن يعلم أن قيامه بالأعمال الصالحة هو بفضل الله وتوفيقه أولا، وألا يغتر بكثرة عمله، لأنه لا يعلم أقَبِلَ الله منه أم لا؟ والله تعالى لا يتقبل الأعمال الصالحة إلا من المتقين، كما قال: ]إنما يتقبل الله من المتقين[ المائدة 27
ويجب أن يعلم أن أعماله الصالحة كلها لا توازي نعمة واحدة من نعم الله، كنعمة البصر، كما أن هناك الكثير من عباد الله أكثر منه عملا وثوابا.
3- الاعتداء على حقوق الناس وإيذائهم بغيبةِ أو شتم أو سب أو نميمة، أو أخْذِ حقوقهم بغير حقٍ كل ذلك يسلب من الإنسان حسناته يوم القيامة، وتعطى لمن آذاهم أو اعتدى على حقوقهم، فيأتي يوم القيامة وقد أصبح مفلسا من الحسنات، بعد أن كان لديه مليارات، وقد وصف النبي r المفلسَ بأنه من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) رواه مسلم عن أبي هريرة t.
4- السيئات الجارية تأكل الحسنات ولو بعد الممات: ومنها: إغواء المسلمين وإفسادهم، كالفتوى بغير علم، وإبعاد مسلم عن الالتزام، وتوزيع أشرطة إباحية وجنسية على الأصدقاء، أو شراء دش أو إنترنت لمشاهدة الأفلام الجنسية وليشاهدها أبناؤه من بعده.
وقد صح عن النبي r أنه قال: (.... وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم عن جرير بن عبد الله t.